واشهد أن لا إله إلاَّ اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
قال الله تعالى ( يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا(102)يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا عَشْرًا(103)نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا يَوْمًا(104)وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا(105)فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا(106)لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا(107)يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا(108) يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا(109)يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ) طه
أولاً : ما هو الصور ؟ومن هو صاحبه؟!
ثانياً : نفخة الفزع .
ثالثاً : نفخة الصعق .
فى الـحـديث الصحيح الـذى رواه الإمام أحمد وأبـو داود والترمذى وغيرهم ، من حديث عبد الله ابـن عمرو بـن العـاص رضى اللـه عنهمـا قـال : جـاء أعـرابى إلى النبـى فقـال يا رسـول اللـه ما الصـور ؟! فقـال : ((قـرن ينفخ فيه وصاحب هذا القرن هو إسرافيل))
وفى الحديث الذى رواه الحاكم فى المستدرك وصححه على شرط الشيخين وأقره الذهبى وهو كما قال ، من حديث أبى هريرة رضى اللـه عنه يقول رسول اللـه : ((ما أطرف صاحب الصور منذ أن خلقه اللـه ووكله بذلك فهو ينتظر بحذاء العرش ما أطرفينتظر متى يأمر كأن عينيه كوكبان دريان)) .
بل وقد حدد لنا المصطفى اليوم الذى يأمر اللـه فيه إسرافيل بالنفخ فى الصور ، ففى الحديث الذى رواه مسلم من حديث أبى هريرة رضى اللـه عنه أن النبى قال : ((خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها ، وفيه تقوم الساعة)) وفى راوية أخرى ((وفيه الصعقة فأكثروا على من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علىّ))
لأننا قبل ذلك أَصَّلنْا أن القيامة لن تقوم إلا على شرار الخلق إذ أن رب العالمين قد يرسل ريحاً طيبة باردة لتقبض أرواح المؤمنين علىظهر الأرض حتى لو دخل المؤمن فى كهف أو غار فى جبل تدخل هذه الريح لتقبض روحه ولا يبقى فى الأرض إلا شرار الخلق ، وعليهم تقوم الساعة .
ويأمر اللـه أن ينفخ النفخة الأولى نفخة الفزع.
قال الله تعالى (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ) . النمل
اختلف أهل العلم فى من استثنى الله جل جلاله :
قال بعضهم : إنهم الأنبياء ، ومنهم من قال : أنهم الشهداء فالشهداء أحياء عند ربهم يرزقون .
ومنهم من قال : هم الملائكة ، ومنهم من قال : بل هم جبريل وإسرافيل ومكائيل وعزرائيل وحملة العرش فقط .
ومنهم من قال : هم حور العين فى جنات رب العالمين .
ومنهم من قال : نبى الله موسى عليه السلام هوالمستثنى فى قوله تعالى : (فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ) .
واحتجوا على ذلك بحديث صحيح رواه البخارى أنه قال : ((أنا أول من يفيق بعد النفخة فإذا أنا بموسى آخذ بالعرش فلا أدرى أكان ممن أفاق قبلى أم كان ممن استثناهم اللـه جل جلاله)) .
فإذا كان المصطفى لم يجزم لنبى الله موسى فلا ينبغى لأحد بعد المصطفى من أهل العلم قاطبة أن يجزم لمن استثناهم اللـه فى الآية ، فعلم الله لا ينال إلا بالخبر الصحيح عن رسول اللـه
ففزع من فى السموات ومن فى الأرض ..!!
أى تنفك كل صلات الكون وروابطه ، تتزلزل الأرض كالقنديل المعلق فى سقف المسجد وترتج بأهلها رجَّات عنيفة مزلزلة ، ما من أحد يسمع هذه الصيحة إلا وقد رفع لينا - أى رفع صفحة عنقه وأما من أخرى يستمع إلى هذه الصيحة التى قد أفزعت كل حى من أهل السماء ومن أهل الأرض
فالشمس قد ذهب ضياءها ، والكواكب ما عادت تضئ ، تناثرت هنا وهناك وتمزقت بأمر الله .
البحار والأنهار ما عادت تحوى بطونها ماء ، فماءها تحول نار أجاج ، الجبـال من أرسـاها جعلها دكاء ، أصبحت الآن قطع متناثرة كالعهن المنفوش .
(إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا(1)وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا ) الزلزلة .
تصور معى قول النبى : ((من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأى العين فليقرأ إذا الشمس كورت وليقرأ إذا السماء انفظرت وليقرأ إذا السماء انشقت))
(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) بعد هذه النفخة يحدث انقلاب هائل فى الكون عامة ، فتكوير الشمس هو أن الشمس التى تمدنا الآن بالضوء والدفء والحرارة كل هذا ينسحب ، وتظلم الشمس التى يضرب بضوءها كل ضياء .
قال ابن عباس : أى جمعت ووضعت تحت العرش .
(وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) أظلمت وتناثرت وذهب ضياءها
(وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ) ، الجبال العملاقة الراسية فى الأرض حينذاك يدكها الملك جل جلاله فى الأرض وتتحول إلى قطع صغيرة متناثرة كالعهن المنفوش أى كالصوف المنفوش .
( وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ) العشار : هى النوق وهى من أغلى ما يمتلكه العربى فى الجزيرة العربية .
إذا سمع الناس وأهل الأرض جميعا نفخة الفزع، فلا ينظر الرجل إلى هذه النوق ، ما عادت تمثل له شئ أنذاك لأنه حدث لهم ما يشغلهم عن زخارف الدنيا .
(وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) : السباع المفترسة إلى جوار الأليفة ما عاد الوديع يخشى المفترس !!
(وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) : سبحان اللـه! حتى المياه التى كانت سبباً للحياة يحولها اللـه إلى حمم ،كتل نارية يعود الماء إلىأصله - الأكسجين والنيتروجين - فيتحول الماء إلىنار مشتعلة متأججة .
(وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ): زوجت أرواح المؤمنين بالحور العين فى جنات رب العالمين ، أو قرنت الأرواح بالأجساد أو قرن الكافرون بالشياطين.
(وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ(8)بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ): وإذا سئل عن قتل الموءودة أى ذنب اقترفته هذه البريئة لتقتل بهذا الظلم والعدوان .
(وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ) : تنشر الصحف للقراءة
(وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ ) : أى طويت كطى السجل للكتب ، يطويها الملك بيمينه ، سبحان اللـه! ولم لا وهو رفعها بلا عمد ..!!
(وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعرَتْ ) أى تأججت واشتعلت نيرانها وجاءت تتلمظ وهى تقول هل من مزيد ؟! هل من مزيد ؟!
(وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ) : قربت للموحدين ، قربت للمتقين ، قربت للمؤمنين.
(عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ) : علم كل واحد حقيقة أقواله وحقيقة أعماله ، سترى كل أعمالك .. سترى كل شئ قدمته من قول أو فعل ، قد سطر عليك (فِى كِتَابٍ عنْدَ رَبِّى لا يَضِلُّ رَبِّى وَلا يَنسَى).
ولقد ورد كثير من هذه المشاهد لنقف على حجم الهلع العظيم والفزع الذى يحدث يوم زلزال القيامة الكبير الذى لا شبيه له البتة .
دعونا نقف مع قول اللـه جل وعلا : (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ) أى من فزع وهلع اليوم الموعود ، أفئدتهم خلت من القلوب ، أين القلوب ؟!! خرجت من الصدور ، إلى أين ؟!! إلى الحناجر ... لماذا ؟!! من الفزع !!
(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ )
اللـه أكبر ... يخرج القلب من مكانه فى الصدر إلى الحنجرة من شدة الهول والهلع والفزع .
أى فزع هذا ؟!! أى هلع هذا ؟!! قمة الهول !! قمة الفزع !!
فقد ثبت من حديث أبى هريرة أنه r قال : ((بين النفختين أربعون)) قالوا : يا أبا هريرة أربعون يوماً ، قال : أبيت ، قالوا : أربعون شهراً ، قال : أبيت ، قالوا : أربعون سنة ، قال : أبيت .
ما معنى أبيت ؟ قال أبيت أن أسأل عن ذلك رسول الله .
فَعِلْم هذه الأربعين عند رب العالمين ، وبعد الأربعين يأمر الله جل وعلا إسرافيل أن ينفخ فى الصور النفخة الثانية
وتبنى هذا الرأى الحافظ ابن حجر والإمام القرطبى فى التذكرة وقال : بأن الصعق ملازم للفزع الأكبر ، أى فزعوا فزعاً ماتوا منه ، ولذا فالحافظ والإمام القرطبى قالا : نفختين اثنتين فى آن واحد .
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن كثير والإمام ابن العربى إلى أن اللـه يأمر إسرافيل أن ينفخ فى الصور نفخة الفزع الأكبر ونفخة الصعق ونفخة البعث لأن القرآن فرق بين نفخة الفزع ، ونفخة الصعق ، ونفخة البعث ، إذ يقول (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ) النمل .
وقال (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ )الزمر
ثم قال بعدها عن نفخة البعث (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ) . الزمر
(كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ(26)وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ) الرحمن .
ويبقى الملك فيطوى السموات والأرض بيمينه ويهتف بصوته جل جلاله ويقول أنا الملك ، أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ ثم يقول جل جلاله لمن الملك اليوم ؟! لمن الملك اليوم ؟! لمن الملك اليوم ؟! فلا يجيبه أحد فيجيب علىذاته لله الواحد القهار .
وتدبر قول القائل :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
بصمةالزوار
بارك الله فيكم