وما جرى لـ أصحاب الكهف من أحداث غريبة ولكنها بديعة في الحكمة
فهي من الايات العجيبة والغريبة
في قصة أصحاب الكهف تبين لنا جميعا الفرق بين
الضلال والهدى
والحق والباطل
وكذلك ترشد المؤمن الى حقيقة التفكير بأيات الله فهي
مفتاح الخير
والإيمان والعلم واليقين
من الفتن وكانت نمودجا عمليا ومثالاً واقعياً يحتذى به
حيث كانت القصة تدور عن الإبتلاء وزينة الدنيا والإفتتان بزخرفها وموقف المؤمن من الفتن
وكيف نختار طريق العصمة من الفتنة
والسلطان والأبهة ومن أعرض عن هذه الملذات والإغراءات
واخلصت نيتهم ووصفت سريرتهم وقويت عزيمتهم
والفهم الصحيح لـ الإيمان والثبات واليقين والإستعانة برب البرية ومع أخذهم أسباب الحذر والحيطة
منها
1- فيها عبرة للمعتبرين
فإن الله لطف بهم في هذه النومة الطويلة ، إبقاء على إيمانهم وأبدانهم
من فتنة قومهم وقتلهم ، وجعل هذه النومة من آياته التي يستدل بها على كمال قدرة الله ،
وتنوع إحسانه ، وليعلم العباد أن وعد الله حق .
لأن الله بعثهم لأجل ذلك ، وببحثهم ، ثم بعلم الناس بحالهم ، حصل البرهان
والعلم بأن وعد الله حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها .
واستعمال الكتمان الذي يدرأ عن الإنسان الشر .
وتركهم لأوطانهم وعوائدهم في الله .
من دون تعرضهم للأذى
والضرر وحتى لا يكون هذا المكان موحشا ويصبح مناسبا لمعيشتهم
فقد وفر لهم الباري عز وجل
الأسباب التالية :
حيث إن الصوت الخارجي يوقظ النائم وذلك في قوله تعالى:
(فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا)
الكهف/11
والموجودة في الأذن والمرتبطة بالعصب القحفي الثامن
.ذلك إن حاسة السمع في الإذن هي الحاسة الوحيدة التي تعمل بصورة مستمرة
في كافة الظروف وتربط الإنسان بمحيطة الخارجي .
(ascending reticular activating system ):
الموجود في الجذع الدماغ والذي يرتبط بالعصب القحفي الثامن أيض
ا (فرع التوازن)حيث إن هذا العصب له قسمان :
الأول مسؤول عن السمع والثاني مسؤول عن التوازن في الجسم داخليا وخارجيا
ولذلك قال الباري عز وجل (فضربنا على آذانهم)ولم يقل
(فضربنا على سمعهم )أي إن التعطيل حصل للقسمين معا
وهذا الجهاز الهام مسؤول أيضا عن حالة اليقظة والوعي وتنشيط فعاليات
أجهزة الجسم المختلفة والإحساس بالمحفزات جميعا وفي حالة تعطيلية أو تخديره
يدخل الإنسان في النوم العميق وتقل جميع فعالياته الحيويه وحرارة جسمه
كما في حالة السبات والانقطاع عن العالم الخارجي قال تعالى
(وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً ) النبأ/8 و
السبات هو النوم والراحه (والمسبوت)
هو الميت أو المغشى عليه (راجع مختار الصحاح ص 214).
فتوقفت عقارب الزمن بالنسبة لهم داخل كهفهم إلا إنها بقيت دائرة خارجه
(كالخلايا والانسجه التي تحافظ في درجات حرارة واطئة فتتوقف عن النمو وهي حية ).
اعلاه كالشعور بالألم أو الجوع أو العطش أو الأحلام المزعجة (الكوابيس )
داخليا وخارجيا والتي منها :
( وَتَحْسَبُهُمْ أيقاظاً وَهُمْ رُقودٌ وَنُقلّبُهُمْ ذاتَ اليْمَين وذاتَ الشّمَالِ )
الكهف/18
في الأوعية الدموية والرئتين وهذا ما يوصي به الطب ألتأهيلي حديثا
في معالجة المرضى فاقدي الوعي أو الذين لا يستطيعون الحركة بسبب الشلل وغيرة .
ومعتدلة في أول النهار وآخرة للمحافظة عليها منعاً من حصول الرطوبة
والتعفن داخل الكهف في حالة كونه معتما وذلك في قولة تعالى
(وَتَرَى الشَّمس إذا طَلَعتْ تَزاورُ عن كهْفِهمَ ذاتَ الْيَمين وإذا غرَبتْ تَفْرضُهُمْ ذاتَ الشِّمال )
الكهف/17
وأنسجته بتكوين فيتامين د (vitamin d )
عن طريق الجلد ثانيا وغيرها من الفوائد ثالثا .
يقول القرطبي في تفسيره : وقيل( إذا غربت فتقرضهم )
أي يصيبهم يسير منها من قراضة الذهب والفضة أي تعطيهم الشمس اليسير
من شعاعها إصلاحا لأجسادهم فالآية في ذلك بان الله تعالى آواهم إلى الكهف
هذه صفته لأعلى كهف آخر يتأذون فيه بانبساط الشمس عليهم في معظم النهار
والمقصود بيان حفظهم عن تطرق البلاء وتغير الأبدان والألوان إليهم والتأذي بحر أو برد )
القرطبي ،الجامع لأحكام القران ،ج1 ص 369،دار الكتاب العربي –القاهرة 1967 .)
إلى جو مثالي من التهوية ولإضاءة عن طريق تلك الفتحة ووجود الفجوة
(وهي المتسع في المكان )في الكهف في قولة تعالى
(وَهُمْ في فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فهُوَ الْمُهتْدى
وَمَنْ يُضْلِلْ فلَنْ تَجِدْ لَهُ ولياَ مُرْشداً ) الكهف /17 .
لا هم بالموتى ولا بالإحياء
(إذ يرهم الناظر كالأيقاظ يتقلبون ولا يستيقظون بحيث
إن من يطلع عليهم يهرب هلعا من مشهدهم وكان لوجود الكلب في باب فناء الكهف
دور في حمايتهم لقولة تعالى
(وَكلْبُهُمْ باسِط ذِراعِيْهِ بالْوَصيدِ لَوْ اطَّلعْتَ عَلْيَهمْ لَوَلَيتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلمُلِئْتَ مِنْهُمً رُعْباَ )
الكهف / 18.
سبحان الله
وذلك أن المتكلِّم في تفسير القرآن يسعى للكشف عن مراد الله ، فإذا قال قولاً فهو ينسب ذلك القول إلى الله تبارك وتعالى ، ويزعم أن ذلك مُرادا لله عزّ وَجَلّ .
وإليكم قصة أصحاب الكهف كما شرحها العلماء الثقاة
أنها قصة شبان ( فتية ) فروا من قومهم خشية الفتنة في دينهم .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في شأنهم :
" قال كثير من المفسرين والمؤرخين وغيرهم : كانوا في زمن ملك يقال له دقيانوس ،
وكانوا من أبناء الأكابر ، واتفق اجتماعهم في يوم عيد لقومهم ،
فرأوا ما يتعاطاه قومهم من السجود للأصنام والتعظيم للأوثان ، فنظروا بعين البصيرة ،
وكشف الله عن قلوبهم حجاب الغفلة ، وألهمهم رشدهم ،
فعلموا أن قومهم ليسوا على شيء ، فخرجوا عن دينهم ،
وانتموا إلى عبادة الله وحده لا شريك له " انتهى.
" البداية والنهاية " (2/135)
وقال الشيخ ابن سعدي رحمه الله :
" وهم فتية وفقهم الله ، وألهمهم الإيمان ، وعرفوا ربهم ،
وأنكروا ما عليه قومهم من عبادة الأوثان ، وقاموا بين أظهرهم معلنين فيما بينهم عقيدتهم ،
خائفين من سطوة قومهم ، فقالوا :
{ رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا }
أي : إن دعونا غيره .
{ شَطَطًا } أي : زورا وبهتانا وظلما .
{ هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا } الكهف /14 و 15.
فلما اتفقوا على هذا الأمر ، وعرفوا أنهم لا يمكنهم إظهار ذلك لقومهم ،
سألوا الله أن يسهل أمرهم فقالوا :
{ رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا } الكهف /10 .
فأووا إلى غار يسره الله غاية التيسير، واسع الفجوة ، بابه نحو الشمال لا تدخله الشمس ،
لا في طلوعها ولا في غروبها ،
فناموا في كهفهم بحفظ الله ورعايته ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعا ،
وقد ضرب الله عليهم نطاقا من الرعب على قربهم من مدينة قومهم ،
ثم إنه في الغار تولى حفظهم بقوله :
{ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ } الكهف /18؛
وذلك لئلا تُبلي الأرضُ أجسادهم ، ثم أيقظهم بعد هذه المدة الطويلة :
{ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ } ، وليقفوا في آخر الأمر على الحقيقة :
{ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ
فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا
فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ } [الكهف : 19]
إلى آخر القصة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
بصمةالزوار
بارك الله فيكم