الصوم والحلم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
لقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم من يملك نفسه عند الغضب قائلا :
{ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب}
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه:
{أن رجلاً قال: يا رسول الله أوصني ولا تكثر عليَّ أو قال:
-كما في رواية أخرى-: يا رسول الله! مرني بأمر وأقلله علي؛
لكي لا أنساه. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : لا تغضب}
والصوم سبب لتربية الإنسان على الحلم، والصفح عن الجاهل،
والعفو عن المسيء؛ لأنه عبادة يتلبس بها الإنسان، والعابد قريب من الله تعالى
بعيد عن نزغات الشيطان، بعيد عن إغراءات النفس الأمارة بالسوء،
ولهذا جاء في الحديث الذي رواه البخاري في كتاب الصوم باب
"من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم"
ورواه أبو داود والترمذي وغيرهم
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
{من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه}
والله تعالى غني عن العالمين، فليس لله حاجة أن يدع هذا طعامه وشرابه،
كما أنه ليس لله تعالى حاجة أن يدع غيره أيضاً ممن ترك قول الزور
والعمل به؛ فالله تعالى غني عن هؤلاء وغني عن أولئك،
وليس بحاجة إلى هؤلاء ولا إلى غيرهم،
وكل البشر ليس تعالى في حاجة إلى أحد منهم.
ولكن المعنى -والله تعالى أعلم- أن الصوم إنما هو للعبد، لتربية العبد وتهذيبه،
وحمله على كريم الطباع، وجميل الأخلاق، والنأي والبعد به عن قول الزور،
وعن العمل بالزور، وعن شهادة الزور، وعن الظلم، وعن الفحش،
وعن السب، وعن الشتم، وعن الجهل، فإذا لم يترك ذلك فإن الصوم يكون
حينئذ لم يفعل فعله فيه.
قال سبحانه وتعالى : وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ
[العنكبوت:6]
وقال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
[يونس:23].
فالله تعالى لا تضره المعصية، ولا تنفعه الطاعة، إنه سبحانه غني عن العالمين،
وإنما الصائم يعمل لنفسه فيمسك عن الطعام والشراب من أجل أن يربيه ذلك على
أن يدع قول الزور وأن يترك العمل به، فإذا لم يدع قول الزور
ولم يدع العمل به فلماذا صام إذاً؟ هل صام لله تعالى ومن أجل الله؟
الله تعالى ليس له حاجة إلى أن يترك هذا الإنسان طعامه وشرابه.
ولقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الصائم إلى هذا الخلق الكريم
فقال في الحديث المتفق عليه:{إذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجهل،
فإن امرؤٌ شاتمه أو قاتله فليقل: إني صائم}
يقابل الإساءة بالإحسان، فإذا عصى الله تعالى فيك فعليك أن تطيع الله تعالى فيه.
إنه لا يليق بالمسلم عامة ولا بالصائم خاصة أن يوزع ألفاظ السباب
والشتائم على من حوله،
أن الصوم يجب أن يكون جنة تمنع العبد مما يسخط الله،
وحاجزاً يحول بينه وبين الغلط في القول أو في الفعل،
بل حتى أولئك الذين يبدأونك بالسب والشتم، أو يعيرونك، أو يسبونك،
أو يغلظون لك في القول، أو لا يراعون شعورك، أو لا يحترمون مقامك،
عليك أن تقابل ذلك كله بالإعراض، عليك أن تقابل ذلك كله بالصفح
كما قال الله عز وجل: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ
[الأعراف:199].
ولكن القول ليس كالعمل:
ما أسهل هذه الكلمات! أن نقولها، وما أصعب أن تمسك نفسك عن الغيظ فلا تنفذه،
وأن تحجزها عن الغضب فلا تستجيب له، وأن تردها عن الانتصار للنفس فلا تقبله،
قال الله تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌوَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا[فصلت:34-35]
والصوم من الصبر، فتعلم الحلم في الصيام،
وقال الله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً
[البقرة:83].
وقال سبحانه:وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنـزَغُ بَيْنَهُمْ
[الإسراء:53].
فإن القول البذيء السيئ الجارح من أعظم أسباب فساد القلوب،
وتغير النفوس، واختلاف الصفوف، وفي الحديث الذي رواه الترمذي
وأبو داود وأحمد وابن ماجة وغيرهم -وهو حديث صحيح-
عن أنس بن معاذ الجهني رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال:{من كظم غيظاً وهو قادر على إنفاذه؛ دعاه الله تعالى يوم القيامة
حتى يخيره من الحور العين ما شاء}.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
بصمةالزوار
بارك الله فيكم