الجمعة، 11 فبراير 2011

::**فأعدوا لمثل هذا اليوم ...............سلسلة في رحاب الدار الآخرة (( الحشر )) **::











الحشر


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا وسـيئات أعمالنـا ، مـن يهـده اللـه فلا مضـل لـه ، ومن يضلـل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

فإن أصدق الحديث كلام اللـه ، وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثــة بدعة وكل بدعــة ضلالة وكل ضلالة فى النار ثم أما بعد ..
كان لقائنا السابق ضمن هذه السلسلة عن البعث


وتوقفنا عند المشاهد التى تخلع القلوب وهذا المنظر المهيب الرهيب لخروج الناس من قبورهم حفاة عراة غرلا

كل يبعث على الهيئة التى مات عليها فمن مات على طاعة بعث على طاعة ومن مات على معصية بعث على نفس المعصية التى مات عليها .

ذلك لقول النبى كما فى صحيح مسلم : (( يبعث كل عبد على ما مات عليه))
وأول من يبعث ، وتنشق عنه الأرض يوم القيامة حبيب الرحمن محمد ، ففى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة رضى اللـه عنه أنه قال :
((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ، وأنا أول من ينشق عنه القبر ، وأنا أول شافع وأول مُشَفَّع)) .

وإذا كان المصطفى يوم القيامة أول من ينشق عنه القبر ، فإن أول من يُكسى يوم القيامة خليل الرحمن أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام .
كما فى صحيح مسلم من حديث ابن عباس أنه قال : ((ياأيها الناس إنكم تحشرون يوم القيامة حفاةً عراةً غُرْلا وأول الناس يُكْسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام))

ماذا يكون بعد البعث ؟! ...

إنه الحشـــر

سوف ينتظم حديثنا فى العناصر التالية

أولاً : صفة أرض المحشر .

ثانياً : كيف يحشر الناس .

ثالثاً : هول الموقف .

رابعاً : فى ظل عرشه .




أولاً : صفة أرض المحشر

كيف تكون هيئة أرض المحشر ؟!!
أتكون مثل أرض الحياة الدنيا ؟!
لاريب أنها ستكون مختلفة تماماً عن أرض الحياة الدنيا التى نعيش عليها
لم لا ؟! فإن الزمان غير الزمان .. فحتماً يكون المكان غير المكان ..
حيث قال رحمان الدنيا والآخرة : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) ابراهيم

ولقد وصف لنا المصطفى طبيعة الأرض التى سيحشر الناس عليها وصفاً دقيقاً بليغاً .
ففى الحديث الصحيح الذى رواه البخارى ومسلم من حديث سهل بن سعد الساعدى رضى اللـه عنه أنه قال :
((يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كَقُرْصَةِ النَّقِىِّ ليس فيها عَلَمُُ لأحدٍ)) .
وعند ابن فارس البياض الشديد الناصع البياض .قرصةُ نقى أو كقرصةٍ نقى ، أى كالدقيق النقى من الغش والنخال .
قال سهل : ليس فيها معلم لأحد ، المعلم ، هو العلامات التى يتعارف بها الناس على الشوارع ، والطرقات ، والمدن .
فهى أرض بيضاء مستوية كالفضة البيضاء لايوجد عليها أشجار ، أو أنهار ، أو أبنية .





ثانياً : كيف يحشر الناس على هذه الأرض !!

يخرج الناس من القبور حفاةً عراةً غُرْلاً كما قال رسول اللـه فى صحيح مسلم من حديث عائشة .
يحشر الناس يوم القيامة حفاةً عراةً غُرلا قالت عائشة : يارسول اللـه الرجال والنساء ينظروا بعضهم إلى بعض قال : ((ياعائشة الأمر أشد من أن يهمهم ذلك)) .
نعم واللـه يخرجون من القبور بهذا العرى والذل والهوان .
قال تعالى : (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ(41)يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ ) ق .

يقول سبحانه وتعالى : (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا(47)وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا )الكهف

حشر اللـه الخلق جميعاً ولا يتخلف مَلِك ، ولا متكبر ، ولا حاكم ، ولا زعيم ، ولا طاغية ، فلم نغادر منهم أحد .

قال سبحانه وتعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا ءَاتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا(93)لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا(94)وَكُلُّهُمْ ءَاتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا(95)إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُوُدًّا ) مريم .

هكذا كل يأتى الرحمن فلا يتخلف مخلوق فلقد أحصى اللـه الخلق من لدن آدم إلى آخر رجل قامت عليه القيامة ، فهم ينطلقون جميعاً وراء هذا الداعى الكريم الذى جاء ليقود الخلق جميعاً إلى المحشر ، انطلقوا من خلفه ولا يلتفتون ، ولا يتخلفون صامتين مستسلمين خاشـعين .. يعلوهم صمت رهيب يزلزل قلوبهم سكون غامر يغمر المكان كله بالعظمة والهيبة والإجلال .




ها هو رسول اللـه يجسد لنا معانى هذه الآيات - عن مشهد الحشر يخلع القلوب ويأخذ بالألباب - فيقـول كمـا فـى الحديـث الـذى رواه الترمـذى بسند حسن يقول ((يُحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف ، صنف مشاة ، وصنف ركبان ، وصنف على وجوههم))

أناس يمشون على الأقدام وأناس يركبون ، من هؤلاء الذين يركبون فى هذا اليوم العصيب ؟!

اسمع لربك جل وعلا ... قال سبحانه : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا ([ مريم
وقال تعالى : )إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ )فصلت

ويقدم الملائكة لأهل التقى ركائب من دواب الآخرة عليها سُرُج من ذهب فيركب المتقون ، وينطلقون بها فى أرض المحشر حتى لايمشون على أقدامهم فى هذا اليوم العصيب .. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟! .

والتقوى هى أن يطاع اللـه فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر .

قال الله تعالى (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا(85)وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا ) مريم .

فالتقى يحشر راكباً ، والعصى يحشر وارداً ، أما المتكبرون الذين انتشوا وانتفخوا فى الدنيا ولم يذلوا أنفسهم لله ، ولم يخفضوا جناح الذل لخلق اللـه بل تراه مغروراً بكرسيه الذى جلس عليه ، وتراه مغروراً بمنصبه وتراه متكبراً بماله ، وتراه متكبراً بسلطانه وجاهه .

إذا وصلت الخلائق كلها إلى أرض المحشر تنزلت الملائكة ضعف عدد من فى الأرض .. تحيط الملائكة بأهل الأرض من كل جانب .





ثالثاً : هول الموقف

إذا ماوصل الناس إلى أرض المحشر ازداد الهم والكرب والغم ... ولم لا‍!! وقد وقفوا قياماً طويلاً .. طويلاً !!
وها هى الشمس تدنوا من الرؤوس . ففى صحيح مسلم من حديث المقداد أنه قال : ((تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم مقدار ميل)) قال الراوى : فواللـه ماأدرى مايعنى بالميل : أمسافة الأرض ، أو الميل الذى تكحل به العين ؟‍! قال : ((فيكون الناس على قدر أعمالهم فى العرق فمنهم من يكون إلى كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ومنهم من يكون إلى حقويه ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً ))وأشار بيده إلى فيه ))

تصوروا معي المشهد حرارة تذيب الحديد والحجارة فوق الرؤوس ولك أن تتصور البشرية كلها تحشر فى مكان واحد على أرض واحدة .

زحام يخنق الأنفاس ويزداد الهم والكرب بإتيان جهنم .
كما قال المصطفى والحديث رواه مسلم من حديث جابر بن عبد اللـه : ((يوتى بالنار يومئذ لها سبعون ألف زمام ، ومع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها))

فإذا أقبلت جهنم ، وأحاطت بالخلائق ، ورأت الخلق زفرت ، وزمجرت غضباً منها لغضب اللـه جل وعلا .. عند ذلك تجثوا جميع الأمم على الركب من الخوف والذلة .
قال تعالى : ( وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )الجاثية

بل يحدث ماتشيب منه الرؤوس وتنخلع له القلوب!!
اسمع إلى هذا الحديث الذى رواه الترمذى بسند صحيح قال رسول اللـه : (( يخرج عنق من النار له عينان تبصران وأذنان تسمعان ، ولسان ينطق يقول : إنى وكلت بثلاثة ، لمن جعل مع اللـه إله آخر ، وبكل جبار عنيد ، وبالمصورين))

فى هذا المشهد فى الحر الشديد ، والزحام الرهيب !!
وفى هذا التدافع فى هذا الموقف الذى ترتعد منه الفرائص وتشيب له الرؤوس ، ويهتز له الوجدان فإن الأنبياء حينما يرون هول هذا الموقف لايملكون إلا أن يقولوا : اللـهم سلم .. سلم ... !!
هذه دعوتهم يومها

يومها تذهل كل مرضعة عن رضيعها ، وتضع كل ذات حمل حملها وينتاب الناس الهلع ، والرعب حتى تظنهم سكارى ، وما هم بسكارى ولكن عذاب اللـه شديد .

يؤمئذ يفر المرء من أبيه ، وأمه ، وأخيه ، وصاحبته ، وينسى الابن أبويه اللذان برهما فى دنياه وألان لهما الجانب وأطاعهما فى غير معصية لله !!

يومها يفر الأخ من أخيه ولا تعد هناك روابط نسبية !!

ويومها تفر الزوجة من زوجها الذى أعطى لها كل عطفٍ وحنانٍ ورعايةٍ وصحبة جميلة حسنة !!

يومها ترمى الأم الحنون بطفلها فى غير وعى فلا أمومة فى هذا الموقف الرهيب المخيف ، الكل يقول نفسى ... نفسى ... ! حتى الأنبياء !

الكل له شأن يلهيه ، استمع لقول مولاك عز وجل ( فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ(33)يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ(34)وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ(35)وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ(36)لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ )عبس






رابعاً : فى ظل عرشه


فى هذه اللحظات ينادى الحق جل جلاله على مجموعة من الخلق فى أرض المحشر أن يتقدموا ليظلهم بظله يوم لا ظل إلا ظله .
من هؤلاء ياترى ؟!! من هؤلاء السعداء ؟!

فى صحيـح البخـارى ومسـلم من حديـث أبى هريرة : قال المصطفى : (( سبعة يظلهم اللـه فى ظله يوم لاظل إلا ظله إمام عادل ، وشاب نشأ فى عبادة اللـه ، ورجل قلبه معلق بالمساجد ، ورجلان تحابا فى اللـه اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصبٍ وجمال فقال : إنى أخاف اللـه ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لاتعلم شماله ماتنفق يمينه ، ورجل ذكر اللـه خالياً ففاضت عيناه))

فاحرصوا على طاعة اللـه وعلى هذه الخصال ليظلك اللـه فى ظل عرشه يوم لاظل إلا ظله .

يقوم بقية الخلق فى هذا الموقف قياماً طويلاً طويلاً ، ويشتد الكرب عليهم حتى يتمنى بعضهم أن يحشر إلى النار ولا يقف فى مثل هذا الموقف المهيب الرهيب ظاناً أن النار لن تكون أشد عذاباً مما هو فيه من هم وكرب .

وهنا يبحث الخلق عمن يشفع لهم إلى اللـه جل وعلا ليقضى اللـه تبارك وتعالى بين الخلائق لينتهى هذا الموقف المهيب الرهيب ، وهنا يقول كل نبى من الأنبياء نفسى .. نفسى .

ويتقدم الحبيب المصطفى صاحب المقام المحمود وصاحب الحوض المورود ، وصاحب اللواء المعقود ، وصاحب الشفاعة العظمى يوم الدين يتقدم ليشفع للخلائق فى أرض المحشر ليقضى اللـه جل وعلا بينهم


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بصمةالزوار
بارك الله فيكم