الاثنين، 15 أكتوبر 2012

جهاد النفس أسباب أتباع الهوى



أقوال العلماء في الهوى:وقال الماوردي رحمه الله في كلام نفيس له: فلما كان الهوى غالباً، وإلى سبيل المهالك مورداً؛
جُعل العقل عليه رقيباً مجاذباً، يلاحظ عثرة غفلته، ويدفع ذاكرة خطوته، وخداع حيلته؛ لأن سلطان الهوى قوي،
ومدخل مكره خفي، ومن هذين الوجهين يؤتى العاقل حتى تنفذ أحكام الهوى عليه؛ قوة السلطان وخفاؤه.


وقال الحسن البصري: أفضل الجهاد جهاد الهوى. وقال بعض الحكماء:أعز العز الامتناع من ملك الهوى.
وقال بعض البلغاء : خير الناس من عصى هواه بطاعة ربه. وقال بعض الأدباء: من أمات شهوته أحيا مروءته.

وقال بعض العلماء كلاماً بليغاً:ركب الله الملائكة من عقل بلا شهوة، وركب البهائم من شهوة بلا عقل،
وركب ابن آدم من كليهما فمن غلب عقله على شهوته فهو خير من الملائكة،
ومن غلبت شهوته على عقله، فهو شر من البهائم.




التوحيد والهوى متضادان:
التوحيد والهوى متضادان، كما قال ابن القيم : فإن الهوى صنم ولكل عبد صنم في قلبه حتى في هواه،
وإنما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لكسر الأصنام وعبادة الله، وليس مراد الله سبحانه وتعالى كسر الأصنام المجسدة
وترك الأصنام التي في القلب،
بل المراد كسرها من القلب أولاً
)والاصنام التي يقصد بها في القلب هي الهوى فعلى كل إنسان كسر هواه )






أسباب اتباع الهوى:
التربية من الصغر على اتباع الهوى:
هناك أسباب تنشأ منذ الصغر وتكبر مع الإنسان، فعدم التعود على ضبط الهوى من الصغر سبب في التمادي في اتباع الهوى؛
لأن الإنسان قد يلقى من أبويه صغيراً حباً مفرطاً وحناناً زائداً؛ بحيث يطغى هذا الحب والحنان على تنمية الضوابط الفطرية والشرعية
التي لا بد منها لتنظيم الضرائر والنوافع ومقاومة الهوى مجالسة أهل الأهواء ومصاحبتهم

ثانياً من أصل أسباب اتباع الهوى:
مجالسة أهل الأهواء ومصاحبتهم، ذلك أن العواطف والدوافع تنمو بالمجالسة وطول الصحبة،
فمن لزم مجالسة أهل الهوى، وأدام صحبتهم فلا بد أن يتأثر منهم، لا سيما إن كان ضعيف الشخصية وعنده قابلية للتأثر بمن حوله دون تساؤل،
ولذلك كان السلف ينهون عن مجالسة أهل الأهواء، والمقصود بهم أهل البدع الذين يتبعون أهواءهم في العبادة،
وقال الحسن بن سيرين: لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم ولا تسمعوهم.

ضعف اليقين والمعرفة بالله:
ضعف المعرفة الحقة بالله والدار الآخرة، فإن الله أسرع الحاسبين وله الحكم عز وجل والذي لا يقدر ربه حق قدره،لا يبالي إذا أغضبه وإذا عصاه وإذا خالف أمره وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام:91]
في دعوة أهل الأهواء إلى الله

تقصير الآخرين بالقيام بواجبهم نحو صاحب الهوى يؤدي إلى المزيد من اتباعه؛ لأن صاحب الهوى
إذا رأى استحساناً ممن حوله وسكوتاً، وعدم إنكار، وعدم اعتراض، فإنه يلجأ لذلك تماماً، ويزيد ويمضي حتى يتمكن الهوى من قلبه
ويسيطر على سلوكياته وتصرفاته، ولذلك جاء الإسلام بالأصل العظيم في النهي عن المنكر وقول كلمة الحق،
وأن الإنسان لا يبالي في الله لومة لائم، وأن يقول الحق ولو على نفسه
:وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[آل عمران:104]..


الجهل بالعواقب المترتبة على اتباع الهوى:
أضرار اتباع الهوى وعواقبه:
اتباع الهوى أصل الضلال:

إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ[النجم:23]

الصد عن فهم القرآن:
أن الهوى من موانع الانتفاع بالقرآن، ولذلك قال الله عن متبعي الأهواء ..
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ [محمد:16].

مشقة التخلص منه:
والهوى يعمي ويصم، والتخلص منه صعب. قال الشاطبي في الموافقات :
مخالفة ما تهوى النفس شاقٌ عليك، وصعبٌ خروجها عنه، ولذلك بلغ الهوى في أهله مبالغ لا يبلغها غيره،

فساد القلب:
اتباع الهوى يفسد القلب، ويحول بينه وبين السلامة. قال ابن القيم رحمه الله:
إن سلامة القلب لا تتم إلا لخمسة أشياء، يعني: لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله بقلب سليم،
فما هو القلب السليم؟
وسليم من ماذا؟ سليم أي: سالم، قال: حتى يسلم من شرك يناقض التوحيد، وبدعة تخالف السنة،
وشهوة تخالف الأمر، وغفلة تناقض الذكر، وهوى يناقض الاتباع، وهذه الخمسة حجبٌ عن الله،
وتحت كل واحد منها أنواع كثيرة لا تحصى أفرادها،
ولذلك اشتدت حاجة العبد بل ضرورته إلى أن يسأل الله أن يهديه الصراط المستقيم.









إفساده لما قاربه:
أن الهوى ما قارب شيئاً إلا أفسده، فإن وقع في العلم أخرجه إلى البدعة،
أي: إذا وقع الهوى في العلم صار طالب العلم مبتدعاً، وصار صاحبه من أهل الأهواء،
وإن وقع الهوى في الزهد أخرج صاحبه إلى الرياء ومخالفة السنة

الانسلاخ من الإيمان:
أنه يخاف على من اتبع الهوى أن ينسلخ من الإيمان وهو لا يشعر؛
لأن النبي صلى الله عليه وسلم خشي علينا من مضلات الهوى

أنه من المهلكات:
أن اتباع الهوى من المهلكات،
ولذلك قال: ثلاث ملهيات، وثلاث مهلكات. ومن المهلكات هوى متبع، إذاً اتباع الهوى يؤدي إلى الهلاك.

غلق باب التوفيق:
يغلق عن العبد أبواب التوفيق، ويفتح عليه أبواب الخذلان، فتراه يلهج بأن الله لو وفقه لصار له كذا وكذا،
وقد سد عن نفسه طرق التوفيق باتباع الهوى.
قال الفضيل بن عياض:
[
من استحوذ عليه الهوى واتباع الشهوات انقطعت عنه موارد التوفيق].
التكبر عن الطاعة:
النقصان والتلاشي في الطاعة، تلاشي الطاعة من النفس باتباع الهوى؛ لأن صاحب الهوى يعز عليه ويكبر في نفسه أن يطيع غيره،
حتى لو كان خالقه، وبعض الناس الذي أوقعه في الكفر أنه لا يريد أن يستمع أي أمر ولو من الخالق،
استكباراً؛ لأن الهوى تمكن من قلبه وملك عليه نفسه، فصار له أسيرا، وموقعاً له في الغرور

الاستهانة بالذنوب والمعاصي:
الاستهانة بالذنوب والآثام، فإن المتبع للهوى يقسو قلبه، وإذا قسا القلب استهان واستهتر بالذنوب والآثام
البعد عن الحق وقبوله النصيحة:
يبعد عن قبول الحق والاستماع للنصيحة.
الابتداع في الدين:
الابتداع في دين الله، وذلك أن صاحب الهوى يميل إلى ما ابتدع وما استحسن




التخبط وعدم الهداية إلى الطريق المستقيم:
التخبط وعدم الهداية إلى الطريق المستقيم، فصاحب الهوى لا يوفق للحق؛
لأنه أعرض عن مصدر الهداية والتوفيق، وصار مستمعاً لهواه لا للكتاب والسنة، فكيف يوفق للطريق الصحيح؟
قال تعالى
"
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ "[الجاثـية:23].

إضلال الآخرين:
أن من أضرار اتباع الهوى ما يتعدى للآخرين وليس فقط على النفس، ولذلك فهو يضل الآخرين ويبعدهم عن الطريق،
ولذلك قال عز وجل:
وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ
[الأنعام:119]

فساد العقل والرأي:
أن من نصر هواه فسد عقله ورأيه؛ لأنه خان الله فأفسد عليه عقله.
قال المعتصم يوماً لبعض أصحابه: يا فلان! إذا نصر الهوى ذهب الرأي.

التضييق في القبر:
أن من فتح لنفسه في اتباع الهوى ضيق عليه في قبره وفي معاده، وقد نبه الله عز وجل إلى هذا
في قوله عن الذين تجردوا للحق:
وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً [الإنسان:12]
فلما كان في الفضل الذي هو حبس النفس عن الهوى خشونة وتضييق في الدنيا جازاهم على ذلك نعومة الحرير وسعة الجنة

الصرع عن النهوض يوم القيامة:
أن اتباع الهوى يصرع العبد عن النهوض يوم القيامة إلى السعي مع الناجين،
كما صرعته الدنيا بمرافقته لأهل الأهواء.
قال محمد بن أبي الورد :
"
إن لله عز وجل يوماً لا ينجو من شره منقادٌ لهواه"
ضعف العزيمة:
أن اتباع الهوى يحل العزائم ويوهنها، ومخالفته تشد العزائم وتقويها،
والعزيمة هي مركب العزم إلى الله والدار الآخرة، فمتى تعطل المركوب تعطل المسافر.
قيل لـيحيى بن معاذ :
من أصح الناس عقلاً؟ قال: الغالب لهواه.



السير إلى الهلكة:
أن مثل راكب الهوى كمثل راكب فرس حديدٍ صعبٍ جموح لا لجام له، راكب فرس منطلق بدون لجام،
فيوشك أن يصرعه فرسه خلال جريه أو يسير به إلى مهلكة. قال بعضهم: أسرع المطايا إلى الجنة الزهد في الدنيا،
وأسرع المطايا إلى النار حب الشهوات، ومن استوى على متن هواه أسرع فيه إلى وادي الهلكات.

ومخالفة الهوى مخرجة للداء عن القلب والبدن، ومتابعة الهوى مجلبة للداء في القلب والبدن،
وأمراض القلب كلها إذا فتشتها كلها وجدتها من متابعة الهوى.

العداوة بين الناس:
أن أصل العداوة والشر والحسد الواقع بين الناس من اتباع الهوى، فمن خالف هواه أراح قلبه وبدنه وجوارحه فاستراح وأراح.
قال أبو بكر الوراق :
إذا غلب الهوى أظلم القلب، وإذا أظلم ضاق الصدر، وإذا ضاق الصدر ساء الخلق، وإذا ساء الخلق أبغض القلب.
تمكين العدو من النفس:
تمكين الإنسان لعدوه منه، وأعدى عدوٍ للمرء شيطانه وهواه، وأصدق صديقٍ له عقله الناصح له، والملك الذي يذهب به إلى الخير،
فإذا اتبع هواه أعطى بيده لعدوه، واستأسر له، كأنه سلم نفسه للعدو وصار عنده أسيراً،
وهذا بعينه جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.

الذل والصغار والحرمان:
أن لكل عقل بداية ونهاية، فمن كانت بدايته اتباع الهوى كانت نهايته الذل والصغار،
والحرمان والبلاء بحسب ما اتبع من هواه، بل يصير له ذلك في نهايته عذاباً يعذب به في قلبه وقيل للمهلب بم نلت ما نلت؟
يعني وصلت إلى هذه الدرجة والمستوى، قال: بطاعة الحزم وعصيان الهوى.
هذا في الدنيا لكن في الآخرة جعل الله الجنة نهاية عظيمة لمن خالف هواه،
والنار نهاية شنيعة لمن اتبع هواه. قال تعالى:
فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى *
وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى

[النازعـات:37-41].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بصمةالزوار
بارك الله فيكم